المقصود بالوعى هو الوعى القومي: أي الفهم المشترك لمجموعة من الأشخاص لديهم خلفية عرقية ولغوية وثقافية ومصلحة مشتركة بداخل حيز إقليمي تكون لديه هُوية جماعية بحيث تكون تلك الهُوية هي الحاكمة للعادات والتقاليد وأسلوب وسلوك الحياة. الإدراك المجتمعي: هو قدرة الفرد على معرفة طبيعة التفاعلات بين الفرد والمجتمع، وبين المجتمع والدولة، وبين الدولة ودول العالم. فإن بناء الهُوية الجماعية للمجتمع القادر على التصدي للصعاب والتحديات الخارجية والداخلية يعتمد على الثقافة وبناء الهُوية الفردية، فهذه مسئولية الفرد، ومن خلال تلك الهُوية والإحساس بالانتماء إلى الوطن يتفاعل الفرد من أجل بناء هُوية جماعية مشتركة تكون متوافقة مع أغلبية المجتمع، تلك الهُوية الجماعية هي التي تكون قادرة على تحديد نظام الدولة وطرق إدارتها، وتحدد الطبيعة الاقتصادية المتلائمة مع الهوية الجماعية.
ومن خلال ذلك، تستطيع تلك الهُوية الدفاع والتصدي والتغلب على كل الصعاب الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة وتفرض عليها، وتكون قادرة على تغيير تلك المصاعب الخارجية لمصلحة الدولة، ومن ثم المجتمع والفرد. لم تكن أزمة الهوية المصرية وليدة أزمات العقد الفائت، فقد دارت جدالات فكرية بين مفكري ومثقفي مصر، وعلي رأسهم طه حسين، والعقاد، وسلامة موسي، ولطفي السيد، والرافعي، بين من يؤيد مصر الفرعونية وآخر يراها عربية وثالث يرها شرق أوسطية وتشترك مع دول البحر المتوسط في الثقافة والتاريخ. لقد شكلت هذه الجدالات بين كبار المثقفين والأدباء وجها أدبيًا وإبداعيًا أضاف لمصر ولم ينل منها، وساهم في تحديد ملامح الشخصية المصرية ورفع وعيها بتاريخها وحضارتها وبالاعتزاز القومي الذي ينبغي أن تنظر به إلي ذاتها.
إن أزمة الهوية الوطنية ليست بجديدة عهد ولا تقتصر علي بلد بعينه، بل إن أغلب الدول إن لم يكن كل الدول عليها أن تخوض في هذا الجدال الكبير حول هوية الأمة، الذي يختلف في شكله ووحدته وجوهره من بلد لآخر، حيث تطرح الشعوب سؤال “من نحن” و”ما الذي يميزنا عن سائر الأمم الأخرى” لتعيد التأكيد علي ثوابتها وتجد طريقها نحو الخروج، ولقد فعلت الأمة المصرية هذا في أوقات الأزمات الكبرى.
لا شك في أن ظاهرة العولمة والتطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي عمق من تلك الأزمة ودفعت بالشعوب إلي إعادة التفكير في هويتها الوطنية، والحكومات إلي تحصين شعوبها بالوعي من اختراقات الخارج وأصحاب المشاريع والهويات الفرعية في الداخل علي حساب الهوية الوطنية الشاملة، وهو ما أدركته القيادة السياسية، وأكدت علي أن قضية الوعي هي قضية مصيرية للشعب المصري.
تقوم الدولة الوطنية على المواطنة والحقوق والواجبات المتساوية لكل المواطنين، وتشكل الهوية الوطنية، التي ترتكز علي التاريخ المشترك واللغة والثقافة والالتزام الديني والمبادئ الوطنية وما تعنيه من عادات وتقاليد وقيم وروح الانتماء،وعاء هذه الدولة الوطنية، وهي أيضا تشكل القبول والشرعية لمؤسسات وسلطات الدولة. والدولة الوطنية والهوية الوطنية مفهومان لا ينفصلان يلازم أحدهما الأخر ويتكئ عليه، فلا يمكن أن تستقيم دولة وتزدهر بعيدًا عن حقيقتها التاريخية وهويتها القومية.
ولقد أدركت القيادة السياسية هذا وعملت علي تنمية الوعي بالهوية والمواطنة، لاسيما، وفي القلب منها حقوق الإنسان، التي ترتكز علي فلسفة في إطار الجمهورية الجديدة تقوم على ركيزتين إحداهما الحقوق الاقتصادية للمواطن، والثانية هي الحقوق الاجتماعية، ثم وكنتيجة تأتي الحقوق السياسية، فلا يمكن أن يمارس المواطن حقوقه السياسية دونما توافر الحقوق الأساسية له، والتي تتمثل في المأكل والمسكن اللائق والملبس، وكذلك الحقوق الأساسية الأخرى، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
تشكل المواطنة أساس الهوية الوطنية، وهي فكرة أصيلة في الجمهورية الجديدة ، حيث لا تمييز بين أبناء الوطن الواحد، ويعكس ذلك التحولات التي تحدث في المجتمع المصري، والتي ترفض تلك المسميات، فالدولة المصرية تنظر إلي الشعب المصري وإلي المواطنين المصريين علي أنهم جميعًا مواطنون ولهم حق المواطنة ولهم ذات الحقوق، بعد فترات مرت على مصر كانت هناك جماعات تسيطر على الدولة المصرية ميزت فيها بين أبناء الوطن الواحد وانتهكت تلك الحقوق التي سعت الدولة المصرية إلى الحفاظ عليها في إطار حرصها على الحقوق كافة.
ولنتذكر أنه إذا كانت قد وقعت يوما بين أبناء الوطن الواحد من المصريين “أحداث مؤسفة” نادرة الحدوث, فهى حالات فردية بحت وثانوية للغاية، لا تنفى القاعدة العامة، وهى وحدة النسيج الوطني المصري، فشيئا فشيئا تتراجع الروابط المختلفة أمام الهوية الوطنية. أن الدولة المصرية أنجزت بما لا يدع مجالا للشك عددا غير مسبوق من المشروعات التنموية العملاقة على مستوى مصر في تنمية وبنية أساسية ذكية، ومن بينها مشروع حياة كريمة الذي يعد مشروعا فريدا من نوعه لم تشهده البلاد من قبل، موضحا أن الرئيس السيسي يعلم جيدا أن المصارحة أولى خطوات دعم ووقوف المواطنين خلف الدولة طوال الوقت، وتسهم بشكل مباشر في غلق الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الإعلام المعادي، وأي شخص يحاول يحيك أي إشكاليات للدولة المصرية، وبالتالي فإن المصارحة والمكاشفة واتجاه المسؤولين في أن يقدموا بيانات وتفسيرات واضحة أمر يعيد للإعلام المصري هيبته وريادته؛ لأنه سيكون إعلام مبني على الحقائق والشفافية. وارتبط الغضب من الأمية بأن الحكومة لم تعلن عن خطط واقعية ولم تضع هذه القضية في قائمة أولوياتها كما تتعامل مع المشروعات التنموية الكبرى، على الرغم من أن الأموال الضخمة التي تنفق على بناء الجمهورية الجديدة لن تكون ذات قيمة ما لم تكن هناك عقول بشرية تحميها، ويفترض أن يكون اهتمام الحكومة ببناء البشر له أولوية على بناء الحجر، وليس العكس، إذا أرادت تحقيق تنمية مستدامة.
ويعكس تجاهل الحكومة لأزمة الأمية حجم التخبط في خطابها، لأنها في كل مناسبة تُتهم بانتهاك حقوق الإنسان ترد بأن لديها مفهوما خاصا لهذه الحقوق يرتبط ببناء الإنسان وتثقيفه وتعليمه وتوفير سكن ملائم له وإنقاذه من الجهل والفقر، لكنها أخفقت في المسار الذي وضعته لحقوق الإنسان ورفضت اختزال القضية في النواحي السياسية. تغيرت نظرة بعض المصريين إلى التعليم من أنه استثمار آمن للأبناء إلى عبء ثقيل، مع اتجاه الحكومة لتحصيل مصروفات مرتفعة جراء انخفاض موازنة التعليم سنويا وعدم ملاءمتها للاحتياجات الواقعية، ما أدى إلى وجود نحو مليون متسرب سنويا من المدارس.
وأمام ارتفاع منسوب الأمية من الطبيعي أن تتراجع قدرة الحكومة على تغيير الواقع إلى الأفضل على مستوى تكريس قيم التعايش والتسامح ومواجهة الفقر والتنمية المستدامة والترابط المجتمعي ومكافحة العنف. ولأن الفقر ظاهرة متجذرة في مصر، فإن بعض المؤشرات تقول إن معدلاته مرشحة للزيادة مهما كانت خطط الحكومة والمبادرات الرئاسية فعالة في مواجهته، لأن الأمية تقود إلى مضاعفة معدلات البطالة وانخفاض نسبة العمالة الماهرة، وهي مشكلة يتم تصديرها للحكومة باستمرار، ولا تجد حلولا سريعة لها. ومهما برّأت الحكومة ساحتها من انتشار الأمية سوف تظل في نظر البعض متهمة بالتراخي في مواجهة الجهل وتغييب الوعي لدى شريحة كبيرة بحجة أن المجتمع كلما كان واعيا ومثقفا ومدركا لحقوقه قد يصعب توجيهه وخداعه سياسيا. حيث تم إعادة بناء الجيش المصري وتزويده بأحدث المعدات حتى بات أحد أهم جيوش العالم، مشيرًا إلى الطفرة الإنشائية الجديدة وشبكة الطرق التي تم إنشائها، إضافة إلى المشروعات التنموية والمدن الجديدة ومشروع حياة كريمة وتمكين الشباب حتى باتت مصر تحقق عبورًا جديدًا نحو الجمهورية الجديدة.
التعليقات