أن مصر أصدرت القوانين والتشريعات لحماية الحياة الخاصة للمواطن في كل شأن يتعلق بحياته الشخصية ولا يجب أن يطلع عليه غيره أو يفشيه بدون رضاه وذلك لما نص عليه الدستور في المادة 57 من أن “للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تُمس”.
يعد مفهوم حرمة الحياة الخاصة هو الإيمان بأن جميع البشر في أي مرحلة من مراحل الحياة لهم أن يحظوا بالخصوصية في شتى أمور حياتهم، ويحق لكل فرد المحافظة على سرية حياته الخاصة وعدم جعلها عرضة لأي صورة من صور الانتهاك، وهو حق أساسي من الحقوق اللصيقة والملازمة للإنسان في الأصل العام، وبه نضع حدود للحد من الوصول إلى أماكننا واشياءنا ، فضلاً عن اتصالاتنا ومعلوماتنا.
والحق في حرمة الحياة الخاصة من أكثر الحقوق التي تواجه انتهاكاً بعد التطور و الانتشار السريع لشبكة الإنترنت ، نتيجة تزايد التعاملات الإلكترونية اليومية ومشاركة الأفراد معلوماتهم الشخصية سواء مع جهات عامة أو خاصة
ويمكن رؤية مثال يومي على جريمة انتهاك لحرمة الحياة الخاصة، وهى إرسال رسائل إلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته تتضمن ترويجاً لسلع أو خدمات.
في السابق لم يكن هناك ثمة تنظيم أو حماية لبيانات الأشخاص وكان ما يحدث أن تتداول هذه البيانات لدى شركات التسويق والدعاية وكانت تغمر الأشخاص بعشوائية بالرسائل التسويقية أو الإعلانية وأيضاً بالاتصال المباشر بهم مما يسبب لهم إزعاج.
أما الآن فقد اعتبر المشرع المصري هذه المضايقات صورة من صور العدوان على الحياة الخاصة…. فجرم إرسال الرسائل الإلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته، كما جرم كل من يمنح بيانات شخص إلى نظام أو موقع إلكتروني من المواقع الدعائية التي تقوم بتوريد السلع والخدمات المختلفة بدون موافقة الشخص.
حيث نصت المادة (25) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 الصادر في يونيو سنة 2018 على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسون ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين………. كل من أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع الكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته”.
تقررت هذه الجريمة فى القانون المصرى بمقتضى المادة 309 مكرر من قانون العقوبات، إذ نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب احد الافعال الاتية فى غير الاحوال المصرح بها قانونا، أو بغير رضاء المجنى علية (أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الاجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت فى مكان خاص أو عن طريق التليفون. (ب).. فإذا صدرت الأفعال المشار إليها فى الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع او مرأى من الحاضرين فى ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضا، ويعاقب بالحبس الموظف العام الذى يرتكب احد الافعال المبينة بهذه المادة، اعتماداً على سلطة وظيفته، ويحكم فى جميع الاحوال بمصادرة الاجهزة وغيرها مما يكون استخدم فى الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو اعدامها.
وتقررت هذه الجريمة فى القانون الفرنسى بمقتضى المادة (226-1) من قانون العقوبات الفرنسى الجديد. إذ نصت على أن “يعاقب بالحبس سنة وغرامة ثلاثمائه الف فرنك كل من اعتدى عمدا بوسيلة ايا كانت على الفة الحياة الخاصة للأخرين: 1- بالتقاط أو بتسجيل أو بنقل بدون موافقة صاحب الشأن كلام صادر له صفة الخصوصية أو سرى 2- عندما ترتكب الافعال المذكورة فى هذه المادة على مرأى ومسمع ممن يهمهم الأمر من غير ان يعترضوا فى حين يكون بوسعهم فعل ذلك، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضا.
وسوف نعالج جريمة الحصول على الحديث الخاص فى ثلاث مطالب ندرس فيها على التوالى تحديد طبيعة الجريمة وأركانها والأحكام الخاصة بالعقاب عليها.
تحديد طبيعة الجريمة
تعد جريمة الحصول على حديث خاص “من جرائم الفاعل المطلق إذ لم يشترط المشرع وجود صفة معينة فى فاعل الجريمة، فقد يكون فرداً عاديا وقد يكون موظفا عاما، ولو أن الفرض العملى الغالب هو ان يكون الأخير هو الفاعل، كل ما فى الامر أن المشرع المصرى فرق بين وقوع الجريمة من فرد على فرد وبين المشرع وقوعها من ممثل سلطة عامة على فرد إذ رفع العقوبة حين تقع الجريمة من ممثلى السلطة العامة اعتماداً على وظيفتهم، وهو اتجاه ينم عن سياسة جنائية رشيدة، ذلك أنه لا يجوز أن تكون هناك مساواة فى المعاملة العقابية بين ممثلى السلطة، وقد أمدهم القانون باختصاصات غير محددة أو إمكانيات ضخمة، تتيح لهم فرصة التصنت على المحادثات، ومن ثم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وبين الفرد العادى الذى لا يمكن أن يوقع عدوانا شبيها إلا فيما ندر وفى أحوال استثنائية.
ويرى جانب من الفقه المصرى أن جريمة الحصول على حديث خاص “جريمة وقتية، يتصور الاشتراك فيها وتسرى قواعد الاشتراك العامة المنصوص عليها فى المواد 40 إلى 43 عقوبات، والشروع ايضا متصور، وإن كان القانون لا يعاقب عليه، وذلك عكس القانون الفرنسى الذى نص فى المادة (226- 5) عقوبات على أن “الشروع فى الجرائم المنصوص عليها فى هذا الباب – ومن ضمنها جريمة الحصول على حديث خاص – يعاقب عليها بنفس عقوبة الجريمة التامة.
وقد فرض المشرع الفرنسى قيدا إجرائيا على تحريك الدعوى الجنائية إذ تطلب شكوى من المضرور او نائبه القانونى (المادة 226046ف) ويذهب الفقه الفرنسى فى تعليله لقيد الشكوى بالطبيعة الخاصة لجريمة الحصول على حديث خاص، أما القانون المصرى فقد جاء خالياً من استلزام شكوى لتحريك الدعوى عن جريمة الحصول على حديث خاص، ومن ثم تملك النيابة العامة سلطة تحريك الدعوى مباشرة، دون حاجة إلى شكوى المجنى عليه.
وقد نصت المادة 57 من الدستور المصرى على أن كل اعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم. وتنفيذا لحكم الدستور أضاف المشرع إلى المادة 15 من قانون الاجراءات الجنائية فقرة ثانية نص فيها على أن الدعوى الناشئة عن الجريمتين المنصوص عليهما فى المادتين 9، 3 مكرر و 9،3 مكرر (أ) عقوبات لا تنقضى بمضى المدة. وعلى الرغم من أن الغاية الأساسية من النص الدستورى ونص قانون الإجراءات هى حماية الفرد من عدوان رجال السلطة العامة، إلا أن عبارة النص وردت فى صيغة عامة، ويجب حملها على عمومها. ولذلك فإنه لا محل للتفرقة فى الحكم تبعا لصفة الفاعل، بل يجب إعماله سواء أكان الفاعل موظفاً عاماً أو فرداً عاديا.
وجدير بالذكر أن المشرع المصرى قد وصف مرتكب هذه الجريمة بأنه “من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن”، فهل يعنى ذلك اشتراط أن يكون المجنى عليه مواطنا أى حاملا للجنسية المصرية؟ يذهب عامة الفقهاء إلى سريان الحماية الجنائية للحياة الخاصة للمصريين والأجانب على حد سواء، ذلك أن ربط الحماية الجنائية بالتمتع بجنسية جمهورية مصر العربية مناقض لالتزام الدولة بحماية جميع من يقيمون فى إقليمها، لا فرق بين مواطنين وأجانب، فضلا عن أن الحق فى حرمة الحياة الخاصة إنما يتقرر لكل شخص طبيعى منذ ميلاده، سواء كان مواطنا أم مهاجرا أم مقيما فى الدولة بصفة مؤقتة، ويرتبط بشخصه ارتباطاً لا يقبل الانفصال.
ومن الفقهاء من يذهب إلى تفسير لفظ “المواطن” تفسيرا موسعاً بحيث يشمل كل شخص اتخذ من مصر وطنا له، ولو إلى حين قصير اى ولو كان ينتمى فى الاصل إلى وطن اخر، ومن الفقهاء من يرى ان القضاء سوف يتردد كثيراً فى مد الحماية الجنائية للأجانب، باعتبار أن ذلك يعد قياسا فى مجال التجريم ويقترح رفع كلمة المواطن من النص بأسرع وقت.
والواقع أننا نعتقد أن ذكر لفظ “المواطن” قد ورد فى نص المادة 309 مكرر من باب التغليب، لا من باب القصر، فالحماية التى كفلها قانون العقوبات لم تتقرر للمجنى عليه المواطن وحده بل تقررت لكل مجنى عليه مصريا كان أو اجنبيا، ذلك انه لا توجد علة مفهومة تجعل المواطنة أو الجنسية مناط الحماية، فضلا عن أن العدالة – كما تمثلها الناس منذ القدم – عمياء لا تميز بين الناس بحسب جنسياتهم، ونعتقد أيضا أن استخدام المشرع لفظ “المواطن” يرجع إلى اعتبارات تاريخية محضة مرت بمصر قبل وضع دستور 1971، إذ كانت الحياة الخاصة للمواطنين محل تلصص عليها من جانب بعض الأجهزة الرقابية، حتى بالنسبة للمساهمين بقسط فى إدارة شئون البلاد، فأراد المشرع تأكيد حمايته لمواطنيه من افعال تعرضوا لها فى الماضى، دون أن يستبعد من ذلك حمايته لكل من يخضعون لسلطانه.
والخلاصة أن الحماية الجنائية تسرى على الحياة الخاصة للمصريين والأجانب على حد سواء، وإن كان من الأفضل استخدام لفظ “شخص” أو “فرد” بدلا من لفظ “مواطن”، وهو ما يقتضى من المشرع تعديلا دستورياً وتشريعياً.
—
التعليقات