الأربعاء - الموافق 19 فبراير 2025م

نشر المحبة والسلام والتسامح ,, بقلم الدكتور عادل عامر

إن العالم اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى، نظراً لأن التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب.

وإننا في وطننا العربي وكأمة مسلمة، آمنت بربها واهتدت بهدي نبيها، مطالبون أن نعمّم ثقافة التسامح والتواصل، التي تشكّل صمام الأمان لعالم مطمئن ومزدهر ومتقدّم، كما تشكّل الأساس المتين لعلاقات طيبة على مستوى الأفراد والمجتمعات، لذا من واجب الجميع العمل على نشر قيم وفضائل التسامح حتى تصير ثقافة عامة، فنعيش جميعاً في عالم مطمئن متقدم، وفي مجتمع ينعم بالأمن والأمان.

إن ديننا الإسلامي هو دين السلام، وينبغي علينا نشر تعاليمه الداعية إلى السلام في مدارسنا وجامعاتنا، والتركيز عليها في وسائل الإعلام، والضرب على يد من يتجاوزها إلى العنف والاعتداء على المدنيين. والمجتمع الإسلامي مسؤول بالتضامن عن تنفيذ الشريعة، وتطبيق أحكامها في كل الأمور ومنها ما يتعلق بغير المسلمين.

إن مفهوم الحب والتسامح، لا يقتصر على النواحي الشخصية فحسب، بل يمتد إلى المستويات الدولية والسياسية. على المستوى الدولي، يجب أن تتبنى الدول سياسات تعزز الحوار وتحل النزاعات بطرق سلمية وبناءة. إن تبني مبادئ الحب والتسامح، يسهم في تحقيق السلام العالمي، ويمكن لمختلف الدول، بناء علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم.

إن نشر المحبة والتسامح، مهمة يمكننا جميعاً القيام بها، وهي قيم حيوية للبشرية جمعاء. إن تحقيق السلام، يكمن في تفوق الحب على المشاعر السلبية. والإمارات حكومة وشعباً، مثال يحتذى في التسامح والانفتاح على العالم، على كل واحد منّا، أن يعمل على بناء مجتمع عالمي، يسوده السلام والتعاون والمحبة والسعادة، وأن تكون هذه المثل هي غايته وتطلعه وهدفه.

الاسلام دين التسامح والمحبة والسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت بالحنفية السمحة. وللتسامح قيمة كبرى في الإسلام، فهو نابع من السماحة بكل ما تعنيه الكلمة من حرية ومساواة ومن غير تفوق جنسي أو تمييز عنصري. والإسلام يدعو إلى الاعتقاد بجميع الدينات، قال الله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ» (البقرة: 285). والتسامح يعني الاعتراف بالآخر. ويعني في ما يعني الاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق والحريات الأساسية للآخرين؛ قيل لرسول الله: يا نبي الله، أي العمل أفضل؟ قال: «الايمان بالله والتصديق به والجهاد في سبيله».

قال أريد أهون من ذلك يا رسول الله. قال: «السماحة والصبر». وروح السماحة التي تبدو في حُسن المعاشرة، ولطف المعاملة، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية والبر والرحمة والإحسان، من الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية، ولا يغني فيها قانون ولا قضاء. وفي ترغيب القرآن في البر والإقساط إلى المخالفين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين: «لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ» (الممتحنة: 8).

وفي قول القرآن يصف الأبرار من عباد الله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» (الإنسان: 8). ولم يكن الأسير حين نزلت الآية إلا من المشركين. وقد روى محمد بن الحسن (صاحب أبي حنيفة ومدوِّن مذهبه): أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بعث إلى أهل مكة مالاً لما قحطوا؛ ليوزَّع على فقرائهم. هذا على الرغم مما قاساه من أهل مكة من العنت والأذى هو وأصحابه. وقالت أسماء بنت أبي بكر: قدمت أمي وهي مشركة، في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصِلُها؟ قال: نعم، صِلي أمك.

وفي قول القرآن يبين أدب المجادلة مع المخالفين: «وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ» (العنكبوت: 46). وتتجلى هذه السماحة كذلك في معاملة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأهل الكتاب؛ يهودًا كانوا أو نصارى، فقد كان يزورهم ويكرمهم، ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم، ويأخذ منهم ويعطيهم. ذكر ابن إسحاق في السيرة: أن وفد نجران – وهم من النصارى – لما قدموا على الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المدينة، دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. وعقب ابن القيم على هذه القصة فذكر ما فيها من الفقه: جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وتمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين، وفي مساجدهم أيضًا، إذا كان ذلك عارضًا، ولا يمكنون من اعتياد ذلك. وروى أبو عبيد في الأموال عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود، فهي تُجْرَى عليهم. وروى البخاري عن أنس: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عاد يهوديًّا، وعرض عليه الإسلام فأسلم، فخرج

وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار». وروى البخاري أيضًا: «أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مات ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله». وقد كان في وسعه أن يستقرض من أصحابه، وما كانوا لِيَضِنُّوا عليه بشيء، ولكنه أراد أن يُعَلِّم أمته. وقَبِل النبي، صلى الله عليه وسلم، الهدايا من غير المسلمين، واستعان في سلمه وحربه بغير المسلمين، حيث ضمن ولاءهم له، ولم يخش منهم شرًّا ولا كيدًا. ومرت عليه جنازة فقام لها واقفًا، فقيل له: إنها جنازة يهودي! فقال عليه الصلاة والسلام: أليست نفسًا؟

إن نشر المحبة والتسامح، ركيزة مهمة في بناء عالم يملؤه السلام. يمثل الحب روحاً إنسانية عظيمة تعزز الترابط بين الأفراد والشعوب، بينما يحمل التسامح قوة قادرة على تحويل الصراعات إلى فرص للتفاهم والتعايش المشترك. عندما يتحقق التوازن بين هذين العنصرين، يمكن لقوة الحب أن تهزم الكره والحقد، والسلبية التي قد تعتلج في قلب البعض من الناس، بينما يسهم الحب في بناء عالم أكثر سلاماً واستقراراً.

من بين أفضل العقول التي يمكننا التوقف معها في هذه الساعات التي تستبق العام الجديد، «برتراد راسل»، الفيلسوف البريطاني الشهير، عالم المنطق والمؤرخ والناقد الاجتماعي، وأشياء كثيرة أخرى. تكاد البشرية تجد لها مهرباً من عتم الحاضر عبر كلمات قلائل من نور، فاه بها راسل في إحدى أواخر مقابلاته، وكان وقتها قد بلغ التسعين من عمره،

وقد جاءت بمثابة نصائح للأجيال القادمة، حتى تدرك طريق الحياة عبر المعرفة العميقة الفاعلة والناجزة، لا السطحية والهامشية. يدعو راسل قراءه وأحباءه للدخول إلى العمق وإلقاء الشباك، ويقدم في هذا السياق نصيحتين، فكرية وأخلاقية.

الشيء الفكري الذي يطرحه راسل أمام معاصريه، ومن يليهم، يتعلق بالجوهر لا بالمظهر، لاسيما أن الأخير يخدع، ولهذا يطالب عندما ندرس أي مسألة، أو نتأمل في أي فلسفة، أن نسأل أنفسنا، ما هي الوقائع، وما هي الحقيقة التي تعززها تلك الوقائع؟. وكذلك جاء الإسلام بالحب والتسامح، والصفح، وحسن التعايش مع كافة البشر، ووطد في نفوس أبنائه عدداً من المفاهيم والأسس من أجل ترسيخ هذا الخلق العظيم ليكون معها وحدة متينة من الأخلاق الراقية التي تسهم في وحدة الأمة، ورفعتها والعيش بأمن وسلام ومحبة وتآلف. ومن تلك المفاهيم: العفو، والتسامح، والصفح عن المسيء، وعدم الظلم، والصبر على الأذى، واحتساب الأجر من الله تعالى، حيث جاءت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية لتأكيد هذه المفاهيم، وإقامة أركان المجتمع المسلم السليم على الفضل، وحسن الخلق، ومنها قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف:199). وقال تعالى أيضاً: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر:85). وكذلك قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النور:22). فإن ذلك كله من شأنه ترسيخ دعائم الأمن والأمان في المجتمع.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك